“الفهود السود”من بوتقة صهر إلى وعاء ضغط اجتماعي

مُقدمة

شكّل المهاجرون الأشكناز في “إسرائيل” بعد عام 1948، نسبة (48,4%)، والمهاجرون السفارديم (51,6%)[2]. معظم السفارديم كانوا ذوي مستوى ثقافي ومهني متدنيين مُقارنةً مع يهود الدول الغربية، إذ وصف اليهود الشرقيون[3] بصفات التخلف والبدائية[4]. ومع وصولهم إلى “إسرائيل” ،كان يتوجب عليهم الاندماج في الحياة العامة، إلا أنّ الاندماج انحصر في مواقع خاملة لا تأثير لها، حيث طورت “إسرائيل” في ذلك الوقت، سياسة النمو الاقتصادي السريع من أجل الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي. وقد كان المُستفيد الأكبر من ذلك، السكان الأشكناز، إذ جاء الرغد الاقتصادي على حساب الطبقات المُهمشة، الفلسطينيين ومن ثم اليهود الشرقيين. حيث اتبع الأشكناز آلية الهيمنة لإقصاء اليهود الشرقيين عن مراكز النفوذ والمال[5]، وذلك عبر توزيع الشرقيين ودمج الشتات من خلال إقامة بلدات التطوير[6]. إنّ الاستعلاء من جانب”القدامى” الأشكناز بحق المُهاجرين الشرقيين، ترك في نفوس الأخيرين آثارًا عميقة لم تُمحَ، لا في الجيل الثاني ولا الثالث، ولا اليوم أيضًا، حيث وجد اليهود الشرقيون أنفسهم على هامش الهامش[7]. فالخلفية الاجتماعية القاسية، وردة فعل الحكومة تجاه الشرقيين، أدّيا إلى تغليب الطابع الراديكالي، الذي أفضى بدوره إلى دائرة مستمرة وطويلة من أنشطة وعمليات احتجاجية[8]، تمثلت بداية في أحداث وادي الصليب، ومن ثم نضال الفهود السود واحتجاجهم.

تُناقش هذه الورقة كيفية تحول احتجاج “الفهود السود”، من احتجاج راديكالي قائم على المواجهة العنيفة والمباشرة، إلى احتجاج سلمي، كما تُناقش الأسباب التي أدت إلى أفول واضمحلال الفهود كحركة احتجاجية جماهيريةكما وتفترض الدراسة أنّ الأداة الراديكالية التي تتطلب احتكاكًا مُباشرًا مع السلطة بدرجة عالية جدًا، تحترق، أو تتلف بسرعة بشكل طبيعي. لذا فإنّ الحركة التي تستخدم الأداة الراديكالية والثورية، لن تعمر طويلًا كحركة، ولن تبقى قائمة عندما يعطي التأثير الراديكالي لنشاطها أُكله. وهذا ما حصل في حالة “الفهود السود”[9]. وربما يعود فشل العديد من محاولات لتنظيم الفئات والجماعات الشرقية في البلاد، وذلك حتى ظهور حركة شاس، إلى شدة تأثير وقوة الخطاب الصهيوني ذي المدلولات الدينية العميقة، وكذلك محاولات المؤسسة الصهيونية إفشال أي مبادرة لإقامة تنظيمات كهذه، واستقطاب العديد من قادة الفئات والجماعات الشرقية. فلم يكن مقبولًا قي السابق على صعيد الجمهور اليهودي الراضخ تحت وطأة العقيدة الصهيونية، إقامة تنظيمات على أساس إثني؛ لأنه بذلك يشكل خطرًا ويزعزع من قوة الوحدة اليهودية. والأهم من ذلك أن جميع المحاولات السابقة، جاءت للانتظام من داخل الخطاب الصهيوني، وليس من خارجه، وفي هذه الحالة لم يكن لهم أمل كبير للنجاح.[10]

تنزيل وقراءة الورقة كاملة


[1] أبرز قادة الفهود السود.

[2] علاء حليحل، ثلاثون عامًا على حركة الفهود السود: انتفاضة اليهود الشرقيين. قضايا إسرائيلية،2001. (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية-مدار)، ص61.

[3] بمعزل عن الأصول التاريخية للمُهاجرين اليهود، يُعرف اليهود الشرقيون بأنّهم أولئك اليهود الذين هاجروا إلى “إسرائيل” من دول آسيا وإفريقيا، وتحديدًا من البلدان العربية، وذلك في السنوات القليلة قبل قيام الدولة. سعيد زيداني، “اليهود الشرقيون”، في: أودي أديب }وآخرون{، اليهود الشرقيون في إسرائيل: الواقع واحتمالات المستقبل (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003)، ص11.

[4] اليهودي تحت قناع العربي: تجربة الشرق قبل قيام الدولة. في: غيل إيال، نزع السحر عن الشرق، ترجمة حسن خضر (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار، 2009)، ص55. .

[5] أرز صفاديا وأرون يفتاحئيل،”اليهود الشرقيون والمكان: نشوء طبقة إثنية في بلدات التطوير. في أسعد غانم }وآخرون{، الهويات والسياسة في إسرائيل (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار 2003)، ص52.  

[6] المرجع السابق. 

[7]علاء حليحل. الشرقيّون يتّهمون. قضايا إسرائيلية.2001، رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار)، ص63.

[8] سامي شالوم شطريت، النضال الشرقي في إسرائيل”بين القمع والتحرر، بين التماثل والبديل 1948-2003“، ترجمة سعيد عياش (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار، تشرين أول 2005)، ص228.

[9] حركة الفهود السود: هي حركة الاحتجاج الثانية لليهود الشرقيين ضد السلطة انفجرت سنة 1971، قاد الحركة مجموعة صغيرة من الشباب في شهر آذار من عام 1971، وبخلاف ما حدث في وادي الصليب، استطاع “الفهود السود” أنّ يؤثروا تأثيرًا واضحًا في السياسة الإسرائيلية وفي ثقافة الدولة ومؤسساتها. جاء احتجاج الفهود السود ليُعبر عن مشاعر قوية بالغبن والتمييز ضد اليهود الشرقيين في الدولة.

[10]  نبيه بشير، عودة إلى التاريخ المقدس.”الحريدية والصهيونية”، ط1، (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2004)، ص315.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى